
“أي مصير للقلب النابض للمقاولة بعد صدور حكم فتح مسطرة التسوية القضائية على ضوء تعديلات قانون 73.17”
مصير المقاولة بعد فتح مسطرة التسوية القضائية
من إعداد ,أيوب بومزاود ,كاتب رأي ,مهتم بالشؤون القانونية وباحث بسلك ماستر القانون الإجرائي وطرق تنفيذ الأحكام.
مقدمة:
إن الباحث في عالم التجارة والأعمال حين سيقرأ مصطلح ـ القلب النابض للمقاولة ـ سيدرك تماما أن الأمر يتعلق بالعقود الجارية أو شبكة الإتفاقات التي ترتبط بها المقاولة مع زبنائها كالأجير العامل في ورشاتها والمؤسسة البنكية الدائنة لها وصاحب المحل التجاري التي تكتريه المقاولة من أجل ممارسة نشاطها وغير ذلك من العقود.., إذ في وقتنا الحاضر توجد عدة تطورات في القانون المدني كان سببها القانون التجاري، فبعد أن ظل ما يعرف بمبدأ سلطان الإرادة الذي كرسه الفصل 230 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي[1] مهيمنا على أهم المبادئ التي يقوم عليها العقد، يلاحظ أن هذا المبدأ أصبح يتوارى بفعل تأثيرات وضغوطات اقتصادية فتحت المجال أمام الغير للتدخل في مآله. ولعل من بين الغير، المشرع التجاري المغربي الذي لطف من حدة مبدأ سلطان الإرادة، إن لم نقل كسر سيطرته التي دامت لسنوات عديدة.
ومن مظاهر تراجع هذا المبدأ، هو أن تنفيذ أو مواصلة العقود الجارية في إطار ما يسمى ب”مساطر صعوبات المقاولة” أصبح يتجاوز المبادئ العامة للقانون المدني، فصار بذلك مقيدا بمقتضيات وخصوصيات قانون صعوبات المقاولة التي عادة ما ترجح كفة إنقاذ المقاولة على أداء الديون.
ولقد حظيت العقود الجارية باعتبارها العمود الفقري لإستمرارية المقاولة، بمعاملة وحماية ذات خصوصية عبر سن المشرع المغربي لمقتضيات خاصة يطبقها على المقاولات الموجودة في وضعية قابلة للإنقاذ أو بالأحرى لما تكون غير مختلة بشكل لا رجعة فيه، بدء من نظام الإفلاس الذي كان سائدا في ظل القانون التجاري لسنة 1913 الملغى[2] مرورا بنظام معالجة صعوبات المقاولة الذي نظمته مدونة التجارة في فاتح غشت 1996[3]، وصولا إلى التعديل الجديد بمقتضى القانون 73.17.[4]
والملاحظ أن مجمل هذه المقتضيات استلهمت من التشريع الفرنسي الذي كان سباقا لوضع أهم الأسس التي تتحكم في مصير العقود الجارية داخل نظام صعوبات المقاولة، إذ عرف المشرع الفرنسي عدة تعديلات في هذا السياق، ناهيك عن الكم والكيف الذي ساهم به الإجتهاد القضائي الفرنسي بخصوص مآل العقود الجارية في صعوبات المقاولة.
ومن تم يظهر أن الفلسفة الجديدة التي تبناها المشرع والأهداف التي توخاها وهو بصدد وضعه للنصوص القانونية المتعلقة بنظام “صعوبات المقاولة “، أفرزت العديد من الخصوصيات من أبرزها تعميم ديمومة العقود جارية التنفيذ، وذلك واضح من خلال مقتضيات المادة 588 من القانون الجديد 73.17 (المادة المؤطرة للموضوع)، التي عوضت المادة 573 المنسوخة، والوضع يتجلى أساسا ضمن أهم مساطر صعوبات المقاولة ألا وهي مسطرة التسوية القضائية، ذلك أن هذه العقود لا تبرز على الواجهة إلا في حالة توقف المقاولة عن الدفع، مما يدفع بالمحكمة إلى التدخل لمحاولة إيجاد حل يوفق بين الدائنين أصحاب العقود جارية التنفيذ ورئيس المقاولة. غير أن هذا التدخل قد يعتبر خروجا واضحا عن القواعد العامة للتعاقد، سيما إذا قرر السنديك استمرارية بعض العقود الجارية، كعقد كراء المحل التجاري وعقد الحساب البنكي وفتح الإعتماد وغيرها…، أما عقود العمل فقد استثناها القانون الجديد من نطاق القاعدة كما سنرى لاحقا.
وبذلك تظهر أهمية هذه العقود متى فتحت مسطرة التسوية، وتتأكد معها أهمية موضوع البحث، بالنظر للدور الحيوي الذي تلعبه المقاولة كنواة للإقتصاد الوطني من جهة وحياة كل مقاولة رهينة بشريانها المتمثلة في العقود التي تربطها بمختلف المتعاقدين معها من جهة ثانية.
ومن هذا المنطلق فإن الإشكالية المحورية التي يتمحور حولها الموضوع تتثمل في التساؤل التالي: ما مصير العقود الجارية بعد فتح مسطرة التسوية القضائية ؟
هذه الإشكالية المحورية تتخللها عدة إشكاليات ثانوية من قبيل مفهوم العقود الجارية ومدى تضارب آراء الفقه والقضاء بشأن تحديد نوعيتها؟ وما مدى تدخل السنديك في مآلها؟ وما هي خصوصيات بعض هذه العقود( عقدي الشغل وكراء المحل التجاري ,والعقود البنكية)؟
وسيرا منا للإلمام بتفاصيل الإشكالية المطروحة, ومحاولة إعطاء مقترب جواب عنها، سنعمد إلى تبني التصميم المبين بعده: