تواصل السلطات الفرنسية رفضها تسليم المغرب الوثائق الأرشيفية التي تؤرخ لفترة مهمة من تاريخ المملكة، بالرغم من توجيه مراسلات رسمية لها في الموضوع.
وتعمل مؤسسة أرشيف المغرب على محاولة استعادة مجموعة من الوثائق، إذ وجهت هذه المؤسسة العمومية المتمتعة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والمحدثة بموجب القانون رقم 69.99 المتعلق بالأرشيف طلبات رسمية إلى السلطات الفرنسية المعنية؛ غير أن هذه الأخيرة رفضت التفاعل بشكل إيجابي مع الموضوع.
ولعل الرفض الفرنسي تسليم الوثائق للمغرب ينبع من خوفها من إعادة كتابة تاريخ جديد، وسيكون فرصة سانحة لدول أخرى من القارة الإفريقية للمطالبة بذاكرتها من البلد المستعمر لها.
وفي هذا الصدد، قال إدريس الكنبوري، الباحث المهتم بالتاريخ المغربي الحديث، إن “الوثيقة تعني الذاكرة والذاكرة تعني التاريخ، ومصادرة الوثائق ومنعها هو مصادرة لتاريخ الأمة المغربية”.
وعبر مؤلف رواية “زمن الخوف،” ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، عن أسفه لكون “الموقف الفرنسي يأتي في زمن بات الجميع يتحدث فيه عن الذاكرة وضرورة تحصينها والحفاظ عليها وإحياء الأرشيف التاريخي”.
وسجل المتحدث نفسه أن تخوف فرنسا من تسليم هذه الوثائق “نابع من خوفها من أن تساعد هذه الوثائق على إعادة كتابة التاريخ الوطني والمغاربي عامة؛ لأن جزءا من هذه الوثائق يرتبط بالقرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، عندما كان المغرب على غير الصورة التي هو عليها اليوم”.
وتابع الباحث نفسه دائما: “لذلك، فهذه الوثائق سوف تكون شهادة ضد فرنسا وسياستها الاستعمارية التقسيمية”، لافتا إلى أنه “خلال زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى الجزائر منذ أشهر، طرحت قضية إعادة كتابة التاريخ المشترك؛ ولكن المشكلة أن الوثائق بيد فرنسا لا الجزائر. وقد قلت، وقتها، إن إعادة كتابة التاريخ المشترك هذا لا يمكن أن يحصل بدون مشاركة المغرب؛ لأن جزءا من هذا التاريخ المشترك المزعوم يندرج فيه المغرب من الناحية الترابية. ولذلك، فإن أي مبادرة من هذا النوع بين فرنسا والجزائر ستكون مؤامرة جديدة ضد المغرب”.
واعتبر الكنبوري أن معركة استعادة الأرشيف “هي معركة سياسية وثقافية؛ لأن ما يقع هو اختطاف التاريخ المغربي من قبل فرنسا، بعد اختطاف أجزاء من المغرب خلال الحقبة الاستعمارية”.
وأكد الباحث المهتم بالتاريخ المغربي الحديث أن ما يقلق فرنسا أكثر هو أن موضوع الأرشيف والذاكرة “يأتي في فترة صعبة بالنسبة لنفوذها في المنطقة وفي إفريقيا؛ فهي تراجعت بشكل كبير جيوستراتيجيا. وثقافيا، تراجعت الفرنكوفونية بشكل ملحوظ”، معتبرا أن “استعادة الأرشيف المغربي سيشكل ضربة أخرى لهذا النفوذ. كما أنه سيدفع دولا إفريقية إلى المطالبة بالأمر نفسه، ليتم إحياء الذاكرة الجماعية وتاريخ العبودية؛ وهو ما سوف يساعد على تقويض النفوذ الفرنسي”.
#استعادة #المغرب #أرشيف #الاستعمار #من #فرنسا #معركة #سياسية #وثقافية