قال المنتصر السويني، باحث في العلوم السياسية والمالية العمومية، إن العقل السياسي المغربي عمل في العهد الجديد على الانتقال من الإستراتيجية المعتمدة على ثنائية “التركيز على قضايا الداخل” و”الدفاع والتقوقع أمام قضايا الخارج”، إلى الإستراتيجية المعتمدة على ثنائية “الدفاع وتدبير قضايا الداخل”، و”التركيز والهجوم في القضايا المرتبطة بالخارج”، فلم يعد يركز فائض قوته على قضايا الداخل، بل صار يوجهه على المستوى الخارجي لتحسين الموقع الجيو-سياسي للمغرب.
وتطرق السويني، في مقال له بعنوان “المغرب وإستراتيجية الاستيقاظ الجيو سياسي”، إلى مجموعة من المحاور، من قبيل “تركيز العقل السياسي المغربي على تبني إستراتيجية إشراك المعارضة في الحكم بعد انهيار المعسكر الشرقي”، و”العقل السياسي المغربي والحرب الروسية الأوكرانية”، و”الحرب الروسية الأوكرانية وترسيخ إستراتيجية -الشراكات البراغماتية”، و”العقل السياسي المغربي والعمل على تبني خيار -الشراكات البراغماتية”…
هذا نص المقال:
يحسب للعقل السياسي المركزي بالمغرب أنه كان دائما قارئا جيدا للخريطة الدولية ومستشعرا للاتجاه الذي قد تأخذه البوصلة العالمية (انخراطه السريع في مسلسل الدمقرطة بعد انهيار المعسكر الشرقي- موقفه من حرب العراق…).
وعمل العقل السياسي المغربي في العهد الجديد وبعد تدشين مرحلة التناوب (في عهد الراحل الحسن الثاني) على الانتقال من الإستراتيجية المعتمدة على ثنائية ‘التركيز على قضايا الداخل-الدفاع والتقوقع أمام قضايا الخارج”، إلى الإستراتيجية المعتمدة على ثنائية “الدفاع وتدبير قضايا الداخل- التركيز والهجوم في القضايا المرتبطة بالخارج”.
الإستراتيجية المعتمدة على ثنائية “الدفاع وتدبير قضايا الداخل-التركيز والهجوم أمام القضايا المرتبطة بالخارج” كانت تعني أن العقل السياسي المغربي لم يعد يركز فائض قوته على قضايا الداخل (ممارسة القوة أمام الخصوم السياسيين بالداخل)، بل صار يوجهه على المستوى الخارجي لتحسين الموقع الجيو -سياسي للمغرب.
1) تركيز العقل السياسي المغربي على تبني إستراتيجية إشراك المعارضة في الحكم بعد انهيار المعسكر الشرقي
الأحداث المرتبطة بنهاية الثمانينيات من القرن الماضي (سقوط جدار برلين -انهيار الاتحاد السوفياتي-أحداث ساحة تيان ان مين)، وطروحات فوكوياما حول الانتصار النهائي والساحق لليبرالية الديمقراطية (انتصار القوى التي يعتمد عليها العقل الحاكم للبشرية-الأحادية القطبية)، فسرها البعض على أنها انتصار للمعسكر الديمقراطي على المعسكر السلطوي. العقل السياسي المغربي وكغالبية دول الجنوب وجد نفسه ليس فقط مضطرا إلى الاستمرار في الاصطفاف إلى جانب المعسكر المنتصر في الحرب الباردة، بل ومضطرا كذلك إلى تبني -الديمقراطية الليبرالية – والديمقراطية التمثيلية.
التقط العقل الرسمي المغربي الإشارة مبكرا، وانخرط في مسلسل تطبيع الوضع الداخلي من خلال الانفتاح على المعارضة السياسة (منذ سنة 1993) والعمل على ترسيخ التناوب التوافقي، وبالتالي الاستمرار في إعطاء الأولوية لتدبير مشاكل الداخل، عبر ترسيخ قوة الدولة في الداخل.
نهج العقل الرسمي المغربي إستراتيجية التطبيع مع الداخل جاء بعد إستراتيجية مريرة وسوداء من تطبيق إستراتيجية -المواجهة مع خصوم الداخل من خلال ترسيخ ما يطلق عليها -الهجمة الداخلية – (القوة تجاه الخصوم السياسيين بالداخل)، من خلال الانتصار في الصراع المفتوح على السلطة بالداخل، ما عمل على تأجيج الصراع داخل ثنائية (الدولة -المجتمع).
إستراتيجية ترسيخ قوة الدولة في الداخل جعلت العقل السياسي المغربي آنذاك يكتفي بتدبير الموقع الإستراتيجي للمغرب من خلال سياسة تحسين عائدات -الريع الإستراتيجي-، وفي هذا السياق سيؤكد الباحث المتخصص في التاريخ المغاربي بيير فرمويرين -أن توفر المغرب على حدود بحرية أطلسية ومتوسطية يجعل دول الخليج والأمريكيين والروس والصينيين يطلبون وده، ما مكنه كذلك من الاستفادة مما يطلق -الريع الإستراتيجي-.
الانتصار في الصراع المفتوح على السلطة بالداخل مكن العقل السياسي المغربي من توفير منسوب مهم من القوة والجهد من أجل تخصيصه لجبهة جديدة، وبالتالي كان الباحث المهتم بالشأن المغربي يطرح السؤال المرتبط بـ أين سيركز العقل الرسمي المغربي الجهد والقوة التي تم توفيرها؟ لم يتأخر جواب العقل السياسي المركزي عن الكشف عن معالم الإستراتيجية الجديدة المرتبطة بالاستيقاظ الجيو سياسي بهدف تحسين موقع المغرب في الموقع الجيوسياسي العالمي والنظام العالمي الجديد.
وإذا كانت الإستراتيجية المعتمدة على ثنائية “التركيز على قضايا الداخل- الدفاع والتقوقع أمام قضايا الخارج” عملت على تركيز القوة والجهد في الصراع الداخلي، فإن الإستراتيجية المعتمدة على ثنائية “الدفاع في قضايا الداخل-الهجوم في قضايا الخارج” كانت تعني عكس ذلك؛ أن الجهد والقوة والإبداع المطلوب من العقل المركزي المغربي سيتم تخصيصها للقضايا المرتبطة بتحسين الموقع الجيو سياسي للمغرب.
إذا كانت إستراتيجية “تركيز القوة في الداخل- الدفاع والتقوقع في القضايا المرتبطة بالخارج” كانت تركز على كسب الصراع في الداخل، وبالتالي تعمل على تقسيم الرأي العام الداخلي وتقدم بالتالي صورة للرأي العام الخارجي تتمثل في -المغرب المنقسم – فإن الإستراتيجية المعتمدة على ثنائية “الدفاع في الداخل- التركيز والهجوم في القضايا المرتبطة بالخارج” عملت على الاجتهاد في توحيد الرأي العام الداخلي، ومن خلال ذلك عملت على تقديم صورة مغايرة للرأي العام الخارجي عن المغرب، تتمثل في -المغرب الموحد-
2) العقل السياسي المغربي والحرب الروسية الأوكرانية
عملت طروحات فوكوياما على ترسيخ الاعتقاد بتفوق المعطى السياسي المرتبط أساسا بتنزيل الديمقراطية التمثيلية أولا من أجل تعبيد الطريق لتحقيق الديمقراطية الاقتصادية بعد ذلك، من خلال التأكيد على أن تجارب انهيار المعسكر الشرقي تثبت أنه لا يمكن تحقيق الديمقراطية الاقتصادية دون المرور أولا بالديمقراطية التمثيلية. إلا أن نجاح التجربة الصينية (وتجربة مجموعة من الدول المصنفة في خانة الدول السلطوية)، التي اعتمدت على حسن تدبير المعطى الاقتصادي، وأثبتت أنه يمكن أن يلعب دورا كبيرا في قيادة الدول نحو النمو دون المرور بالضرورة بالشرط السياسي المعتمد على الشرط الديمقراطي والديمقراطية التمثيلية كما يراها الغرب.
سقوط الأفكار الكبرى المؤطرة للمشهد السياسي في العالم والعزوف السياسي ومقاطعة اليوم الانتخابي، وسقوط الأحزاب وعجز البرلمانات عن إيجاد الحلول، والعودة إلى الاحتكام إلى الشارع بدل حل القضايا الخلافية داخل المؤسسات (النموذج الفرنسي اليوم)، كان يقلص من وهج -الديمقراطية التمثيلية- ويعزز الديمقراطية التنفيذية، والكلمة الملك -الفعالية- وبالتالي صارت القوة تقاس بفعالية الأنظمة ونتائج سياساتها العمومية على المواطنين أكثر مما هي مرتبطة بالمقياس الديمقراطي لأنظمتها.
لهذا فإن الحرب الروسية الأوكرانية كانت رسالة واضحة للغرب (الولايات المتحدة الأمريكية-الاتحاد الأوروبي-بريطانيا ) بأن الأنظمة السلطوية كما يسميها الغرب عملت على تحسين تدبيرها وأوقفت اقتصادها على رجليه دون المرور بمرحلة الديمقراطية التمثيلية، وأنها تعمل اليوم على العودة بقوة إلى المسرح الدولي وتستهدف كذلك تحيين موقعها الجيو سياسي في العالم.
لهذا فإن الحرب الروسية الأوكرانية عملت على فتح الصراع من جديد بين ثنائي “الدول الديمقراطية-الدول السلطوية” بعد أن اعتقد الكل أن هذا الصراع حسم منذ نهاية الثمانينيات (سقوط جدار برلين-انهيار الاتحاد السوفياتي- مظاهرات ساحة تيان ان مين-طروحات فرنسيس فوكوياما المتعلقة بنهاية التاريخ). تجديد الصراع بين الثنائي “الدول الديمقراطية-الدول السلطوية” كان يستهدف بالأساس إعادة التفاوض على النظام العالمي (وهو ما سيؤكده أستاذ العلوم السياسية هيجو مايجر)؛ وبالتالي إعادة تشغيل عقارب التاريخ من جديد. استيقاظ الدول السلطوية كما يسميها الغرب (روسيا-الصين) كان يعني كذلك تمرد العالم السلطوي على ما يسمى العالم الديمقراطي. هذا التمرد كان يفتح ثغرة مهمة في النظام العالمي للدول القادرة على انتهاز الفرص من أجل تغيير موقعها داخل النظام العالمي أو على الأقل العمل على انتزاع مكاسب مهمة قبل حسم الصراع لصالح هذا الطرف أو ذاك.
هذه الثغرة كانت تمنح للدول التي تريد أن تنتزع من الغرب (أمريكا-الاتحاد الأوروبي-بريطانيا) مكاسب معينة، أو تريد أن تحسن من شروط التحالف وتعيد ترميمه، فرصة ذهبية لتحقيق ذلك. كما أن الدول التي كانت تريد أن تنتزع من الطرف الآخر في الصراع، وخصوصا روسيا والصين، مكاسب جديدة متعلقة بالطاقة أو الأمن الغذائي أو التسليح، كان لها أن تبادر إلى فعل ذلك. كما أن هذه الأحداث كانت تمنح فرصة للذين يريدون انتزاع مكاسب من الطرفين للتحرك.
الحرب الروسية الأوكرانية عملت على نقل الحرب من جديد إلى داخل أوروبا، وفرضت على أوروبا تمويل الحرب من خلال مساندة أوكرانيا، وبالتالي تضع هذه الأخيرة أمام تحديات أمنية اقتصادية وسياسية، وتعمل كذلك على إضعاف موقعها الجيو سياسي (تصريح شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي)؛ وبالتالي فإن الدول التي تريد أن تضغط على الغرب، وخصوصا الثنائي المكون من “الاتحاد الأوروبي-بريطانيا”، شعرت بأن الفرصة صارت سانحة لممارسة الضغط من أجل تحسين موقعها مقابل هذا الثنائي.
المغرب الذي فضل البقاء وفيا لتحالفه مع الغرب (أمريكا-الاتحاد الأوروبي-بريطانيا) كان لزاما عليه الاستمرار في العمل على تحسين وتطوير وتحديث إستراتيجية -الاستيقاظ الجيو سياسي- وكذلك العمل على تحيين وتحديث -البوصلة الإستراتيجية-.
كما أن المغرب باعتباره الجار الأقرب إلى أوروبا كان معنيا بقوة من أجل العمل على انتهاز الفرصة من أجل العمل على تحسين شروط الشراكة مع أوروبا، خصوصا في ما يتعلق بالموقف من قضية الصحراء (الجاران الفرنسي والإسباني بالأساس).
3) الحرب الروسية الأوكرانية وترسيخ إستراتيجية -الشراكات البراغماتية-
تمرد العالم السلطوي على العالم الحر أغرى مجموعة من الدول في آسيا وأمريكا اللاتينية وفي إفريقيا بالانخراط في حركة التمرد من خلال مساندة روسيا، سواء علانية أو خفية. التمرد الجماعي على العالم الحر كان يفترض إبداع نوع جديد من الشراكات بين الدول المتمردة؛ وهنا وجب التأكيد أن دول الجنوب كانت جد متذمرة من الرأسمالية التي تم ترسيخها في عالم ما بعد الحرب الباردة، التي تميزت بتسيد رأس المال على العمل، وبروز أخطبوط الشركات الكبرى والبقاء للأقوى وتعميم الواحات الضريبية، وفتح الحدود أمام الرأسمال المرتبط بالرأسمالية التي تسيدت بعد نهاية الحرب الباردة؛ وكانت متذمرة كذلك من سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع الميثاق الأممي، الذي كان منحازا للتحالف المكون من “أمريكا-الاتحاد الأوربي-بريطانيا”، وبالتالي كانت مهتمة بالبحث عن تحالفات بعيدة عن هذا الثلاثي.
البحث عن تحالفات بعيدا عن هذا الثلاثي كان يعني البحث عن شراكات جديدة. هذا النوع من الشراكات أطلق عليه السياسي بيرترون بادي -الشراكات البراغماتية-). بيرترون بادي سيؤكد كذلك أن الشراكات البراغماتية تعوض الشراكات التي رسخها عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
صمود الاقتصاد الروسي غير المتوقع رغم العقوبات والحصار يؤكد أن الشراكات البراغماتية تعمل بشكل فعال، وأنها فعلا تعوض الشراكات التي كانت سائدة ما بعد الحرب العالمية الثانية وبعد انهيار المعسكر الشرقي، وتؤكد من جديد أن قوانين الاقتصاد تتفوق على قوانين السياسة، وأن آدم سميت (اليد الخفية للسوق) يتفوق على جون جاك روسو-العقد الاجتماعي-، لأن الشراكات الاقتصادية البراغماتية تنبني على الاقتصاد والمصالح المتبادلة، خصوصا أن الدب الروسي اعتمد على سلاح الاقتصاد في بناء الشراكات البراغماتية بعد أن اعتمد في السابق على الإيديولوجية.
الصحافي في جريدة الإندبنديت اللندنية – بورزو دارا، غي- سيؤكد أن دول الجنوب استعملت إستراتيجية جديدة في مواجهة النفوذ الثلاثي (الولايات المتحدة الأمريكية-بريطانيا-الاتحاد الأوروبي). تعتمد هذه الإستراتيجية على ما أطلق عليه الكاتب تكاتف قادة دول الجنوب في مواجهة الدول الديمقراطية؛ هذا التكاتف أطلق عليه -تكاتف القادة السلطويين في مواجهة الدول الديمقراطية- (الدعم المالي القوي الذي تقدمة روسيا والسعودية والإمارات من أجل إنقاذ العملة التركية من السقوط وإنقاذ أردوغان رغم موقف الغرب المغاير).
4) العقل السياسي المغربي والعمل على تبني خيار -الشراكات البراغماتية-
انتقال العقل السياسي المغربي للعمل من خلال ثنائية “الدفاع في الداخل-تركيز القوة في الخارج” بدل الإستراتيجية التي كان معمولا بها سابقا، والمعتمدة على ثنائية “تركيز القوة في الداخل-الدفاع والتقوقع في الخارج” كانت تدفعه إلى الاستمرار في إستراتيجية -الاستيقاظ -وخصوصا -الاستيقاظ الجيوسياسي –.
يؤكد فريديريك شاريلون، أستاذ العلوم السياسة بالجامعات الفرنسية، أن قوة السياسة الخارجية لدولة معينة تعتمد بالأساس على قدرة هذه الدولة على النجاح في توضيح الرسالة، وتوضيح الرسالة يعتمد على قدرة الدول على اقتراح نموذج سياسي وقيم معينة ولائحة للأولويات ولائحة للخطوط الحمراء ولائحة للمصالح. خطاب الملك بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب عمل على توضيح معيار بناء العلاقات بين المغرب والدول الصديقة من خلال موقفها من قضية الصحراء المغربية.
من خلال هذا الخطاب كان المغرب يرسخ الانخراط المبدئي في تبني إستراتيجية -الشراكات البراغماتية- الاستيقاظ الجيو سياسي والشراكات البراغماتية كانت تعني عدم استثناء أي طرف من الشراكات البراغماتية. وهنا وجب التوضيح أن تبني المغرب الشراكات الإستراتيجية اعتمد على نوعين من الشراكات، الشراكات البراغماتية المعلن عنها والمؤطرة تحت يافطة-الوضوح الإستراتيجي- والشراكات البراغماتية غير المعلن عنها والمؤطرة تحت يافطة-الغموض الإستراتيجي -المفيد للأمن الوطني المغربي.
الخلاصة:
العقل الرسمي المغربي وكمجموعة من دول الجنوب تعامل ببراغماتية مع الحرب الروسية الأوكرانية، ورغم استمراره في الاصطفاف إلى جانب الغرب في الصراع المفتوح بين الثنائي المكون من “الغرب-القوى الصاعدة” إلا أن إستراتيجية البحث عن أفق جديد يمكن من تحسين إستراتيجية الاستيقاظ الجيو سياسي كانت تدفع المغرب إلى العمل على الاستفادة القصوى من هذا الصراع من أجل تحسين موقعه في الخريطة الدولية من خلال البحث عن مزيد من الربح في هذه المواجهة.
الصحافية في جريدة لوموند هيلين سالون ستؤكد أنه إذا كان الغرب وروسيا والصين ومجموعة من دول الجنوب يرون في الصراع الروسي الأوكراني حدثا تاريخيا سيعمل على تغيير النظام العالمي إلا أن هناك بعض الدول لا ترى في هذا الصراع إلا صراعا حدوديا، وبالتالي لا يتطلب اتخاذ موقف مرتبط بالتموقع داخل الثلاثي (الأمريكي-الصيني -الروسي). المغرب يوجد ضمن الدول التي ترى في الصراع الروسي الأوكراني صراعا حدوديا، وبالتالي لا يتطلب الأمر إعادة تموقع جديد، وإن كان الأمر يتطلب الاستفادة من هذا الصراع دون تغيير التموقع (التحالف مع أمريكا لا يمنع من عقد شراكات براغماتية مع روسيا والصين)، وهو الموقف نفسه الذي تبنته دول الخليج، التي وإن بقيت متحالفة مع أمريكا إلا أن ذلك لم يمنعها في اجتماع الدول المنتجة للنفط بتاريخ 05/10/2022 من رفض الرفع من الإنتاج كما كان يشتهي الحليف الأمريكي.
الدول الإفريقية فضلت نهج إستراتيجية مغايرة تعتمد على عدم الاصطفاف مع أي طرف، مع العمل على الاستفادة القصوى من هذا الصراع، كما أكد الصحافي في جريدة لوموند -سيريل بنسيمون. وفي هذا السياق سيؤكد الرئيس السنغالي قائلا -نحن لا نهتم بمن هو على حق هل روسيا؟ أم أوكرانيا؟ نحن نريد فقط الوصول إلى المواد الغذائية وإلى الأسمدة، ولكننا اليوم مقيدون بمطرقة الحرب وسندان العقوبات-.
العقل الرسمي المغربي كان يشعر بأن هناك إيجابية كبيرة في تركيز الاهتمام على إستراتيجية الاستيقاظ الجيو سياسي لأنها تجعله يتموقع تحت يافطة -المغرب الموحد- بدل إستراتيجية -المغرب المنقسم-.. يافطة -المغرب الموحد- تعمل على إحياء ما يجمع المغاربة من خلال بعث الروح في الذاكرة السياسية المغربية المرتبطة بالبطولات الوطنية وبالدولة القوية (رغم أن بعض دول الجوار الأوربي، وخصوصا فرنسا، ترى في هذا الاستيقاظ تمردا على دورها الأبوي الذي اكتسبته منذ الاستقلال، وتمردا على نفوذها في إفريقيا، وتحاول نفث سمومها من خلال التأكيد على أن النفوذ المغربي الجديد في إفريقيا يندرج في إطار انبعاث المغرب الاستعماري من جديد. وفي هذا السياق يؤكد الباحث في الشأن المغربي -بيير فيرمورين- في كتابه -المغرب بلد المتناقضات الصادر سنة 2020- أن الاستيقاظ الجيو سياسي المغربي يستهدف إحياء خريطة المغرب الكبير التي رسمها الزعيم علال الفاسي سنة 1958، وأن الزيارات الملكية لإفريقيا تندرج في هذا الإطار).
وهنا وجب التوضيح أن الاستيقاظ الجيوسياسي يعمل على إحياء الذاكرة السياسية التاريخية للبلد، ويمجد تاريخه البطولي ويوحد الرأي العام حول القضايا الوطنية. الصحافية الأمريكية كاثلين براش ستؤكد في مقالة حديثة لها أن الدول التي تركز على الصفحات البطولية لتاريخها اتضح أنها تتمتع بوحدة صف (تعني هنا الصين وروسيا أساسا حيث التأييد للسياسة الوطنية يتجاوز الثمانين بالمائة) أكثر من الدول التي تهتم بالقضايا الخلافية واللحظات السلبية (لا يثق في سلطات الولايات المتحدة الأمريكية إلا ثلث الأمريكيين). لهذا يشعر العقل السياسي المغربي بأن إستراتيجية الاستيقاظ الجيو سياسي تمثل أولوية قصوى بالنسبة له.
#إستراتيجية #الاستيقاظ #الجيوسياسي #بالمغرب. #ثنائية #دفاع #الداخل #وهجوم #الخارج