بعد صراع طويل مع مرض السرطان الخبيث، غيب الموت أيقونة كرة القدم العالمي، اللاعب الشهير إدسون أرانتيس دو ناسيمنتو، الملقب ببيليه، و”اوراي” أي الملك.
ولد بيليه يوم 23 أكتوبر 1940 بمدينة تريس تاركوس البرازيلية، وهو ينحدر من أصول إفريقية فقيرا معدما؛ فالسود في أمريكا كانوا ولا يزالون حتى الآن، ولو بنسبة أقل مقارنة مع الماضي، يعانون من التهميش والفقر، بسبب العرق واللون. هذا الوضع الذي عاشه بيليه مثله مثل السود جميعا شكل عائقا كبيرا أمام الملونين في الترقي الاجتماعي.
بيليه كان استثناء من بين استثناءات قليلة تمكنت في القرن الماضي من كسر طوق الإقصاء والنبذ. سيتمكن هذا الفتى الذهبي من الخروج من عتمة التهميش والفقر؛ ليتحول، بعد سنين قليلة، إلى أشهر لاعب كرة في البرازيل بل وفي العالم بأسره.
بفضل نجومية بيليه، ستصبح البرازيل رمزا للمهارة الكروية، فريقها مهاب الجانب ويحسب له ألف حساب في كل مونديال. دخل بيليه التاريخ من بابه الواسع، وأصبح أعظم لاعب كرة على الإطلاق، بفضل الإنجاز غير المسبوق الذي حققه مع فريق السامبا والذي لم يتمكن أي من مشاهير كرة القدم من تحقيقه حتى الآن، وهو نيل كأس العالم لثلاث دورات مع فريقه، خلال سنوات (1958-1962-1970).
إنجاز بيليه الفذ سيحوله إلى ظاهرة كروية بامتياز، وستصبح البرازيل كوطن وأمة اسمها مقرون باسم بيليه. ولصيانته من انتقال للعب في دولة أخرى، سيصدر في حقه ما لم يصدر في حق لاعب غيره مرسوم رئاسي يعتبر ملك الكرة ثروة وطنية، مثله مثل باقي ثروات البرازيل، تصان ويحتفظ بها داخل البلاد.
على المستوى السياسي، تمكن بيليه من توحيد اللأمة البرازيلية، مما جعل الكاتب نيلسون رودريعيز يقول عنه بالحرف الواحد: “شكل الأمة الحديثة التي هي البرازيل” بفضل ما أوحت به إنجازاته المستحيلة من أمل لملايين الأشخاص من القمة حتى القاعدة.
وعلى المستوى الاجتماعي، أصبح بيليه رمزا لكل المهمشين الذين كانوا يتوقون إلى الاعتراف بهم ونيل المساواة مع البيض. نجاح بيليه ووصوله إلى مراتب لم يحلم بها سوى القليل من السود شكل دفعة لهؤلاء كي يناضلوا من أجل غد أفضل، وهو ما تتحقق لهم، وإن كان النضال لا يزال قائما من أجل تحقيق المساواة على قدم وساق مع البيض سواء في البرازيل أو الولايات المتحدة وباقي دول أمريكا.
حين مرض بيليه وأصبح غير قادر على متابعة أطوار إقصائيات مونديال قطر، أوصى على موقع “تويتر” لاعبي فريق البرازيل بأن يعيدوا الكأس إلى البلد؛ لكن رفاق نيمار فشلوا في ذلك، وغادروا المنافسة في الربع، بعد أن تم إقصاؤهم على يد الفريق الكرواتي.
لم يتمكن أيضا بيليه من مشاهدة إنجاز “أسود الأطلس”، كنا نتمنى أن نسمع تعليقه على إنجاز أبطالنا، وما قد يقدمه لهم من نصائح تنفعهم في مشوارهم الكروي. وفي هذا الصدد، نذكر القراء ممن لم يعيشوا هذه اللحظة المتميزة زيارة بيليه للمغرب سنة 1976، حيث حظي باستقبال العاهل المغربي الحسن الثاني، وشارك في مباراة ودية مع الفريق المغربي. زار النجم الشهير العديد من الدول العربية، وكان يستقبل فيها استقبال الأبطال، مما جعله أفضل سفير لبلد القهوة البرازيل.
ما أخذ على بيليه هو مهادنته للحكم الديكتاتوري بقيادة الجنرال كاستيو بلانكو، ما بين سنتي 1964-1985. الديكتاتور استغل شهرة بيلييه ووظفها من أجل تلميع صورته، دون اعتراض من بيليه؛ لكن المنصفين عذروه، لأن بطش الجنرال لم يترك له خيارا، لأن كاستيو بلانكو كان جنرالا دمويا وما كان ليتردد في اغتيال بيليه لو أنه وقف في وجهه.
رحل بيليه إلى مثواه الأخير ليرقد في سلام. وسيظل أحد أعظم لاعبي كرة القدم على الإطلاق، واسمه سيظل خالدا في سجل تاريخ الكرة. سيظهر لاعبون كبار مستقبلا؛ لكن الأكيد أن مكانته المتميزة ستظل محفوظة إلى الأبد.
#بيليه. #رحيل #ملك #كرة #القدم