محور إستراتيجي ووظيفي بات يُشكل في منطقة شمال إفريقيا، دعائمه طهران والجزائر، ومؤخرا نواكشوط، ويستهدف كل طرف فيه تحقيق مصالحه، فتتقارب الجزائر وإيران لتطويق المغرب وإسرائيل وكبح تحركاتهما في المنطقة، بينما تتحرك موريتانيا في اتجاه إيران لتعزيز قدراتها الأمنية داخل منطقة الساحل والصحراء. ومن المحتمل أن تتزايد وتيرة العلاقة بين البلدين الأخيرين لتمتد تداعياتها إلى الحيز الملاصق لبلاد شنقيط جنوبا.
كانت هذه أبرز الخلاصات التي توصل إليها تقرير حديث نشره المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية- وحدة الدراسات العربية والإقليمية، تحت عنوان “دوافع وأهداف التقارب الإيراني الموريتاني”، معتبرا أن هذا التقارب “لم يأت من العدم، بل نتيجة جملة من المتغيرات المحفزة له”.
وأشارت التقرير ذاته إلى “تطور ملحوظ في العلاقات الموريتانية الإيرانية اتضحت معالمه منذ سنة 2019 على ضوء زيارة وزير الدفاع الإيراني إلى نواكشوط، مرورا بدعوة الرئيس الموريتاني إلى زيارة إيران، ووصولا إلى استقبال موريتانيا وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير اللهيان، على رأس وفد رفيع المستوى مطلع فبراير الماضي”.
متغيرات بارزة
أحد أهم المغيرات التي عجلت بهذا التقارب يكمن في التراجع النسبي للعلاقات المغربية الموريتانية، نتيجة الاصطفاف الملحوظ لنواكشوط إلى جانب الخطوط المعادية للوحدة الترابية للمغرب، وتواتر زيارات واستقبالات قيادات جبهة البوليساريو على الأراضي الموريتانية، “مثلما هو الحال بالنسبة لاستقبال الرئيس الموريتاني لممثل الجبهة الانفصالية مارس الماضي”. هذا التراجع استطاعت إيران أن توظفه بشكل كبير لصالح تواجدها في المنطقة.
ويؤكد التقرير ذاته أن “حالة التبدل الجيو-إستراتيجي التي شهدتها الدائرة الشرق الأوسطية ساهمت في رفع الحرج عن الجانب الموريتاني في رفع مستوى التنسيق مع إيران”، مضيفا أن حالة الفراغ الأمني في منطقة الساحل و”خفض واشنطن تواجدها العسكري بالمنطقة وإنهاء باريس لعملية برخان، وانسحاب قواتها مؤخرا من بوركينافاسو”، كلها عوامل عبدت طريق طهران إلى المنطقة بما “يتكامل مع التمدد الروسي فيها”.
الغايات الإيرانية
يرى كاتب التقرير أن التحركات الإيرانية تجاه موريتانيا تهدف أساسا إلى “موازنة التعاون الإستراتيجي الإسرائيلي المغربي”، إثر توجسها من التطورات النوعية التي عرفتها العلاقات الأمنية والاستخباراتية والعسكرية وكذلك الاقتصادية بين البلدين، وهو ما يؤشر على “تغيير تكتيكي في الأبعاد الإستراتيجية الإيرانية لمواجهة تل أبيب في إطار الحروب بالوكالة”.
على صعيد آخر، تسعى إيران إلى تدارك “تغلغل حلف شما الأطلسي الذي بات حريصا على دمج شرق المتوسط وشمال إفريقيا وكذلك منطقة الساحل ضمن عقيدته الإستراتيجية الجديدة”، ولذلك تبدو طهران حريصة على مزاحمة “الناتو” وتوظيف المنطقة كورقة ضغط على مصالح الغرب في غرب إفريقيا في إطار موازنة القوة.
كما تتحدد أهداف الجمهورية الإسلامية من التقارب مع دائرة الشمال العربي في “تشبيك العلاقات المتجذرة مع الجزائر، وفتح شراكات جديدة مع موريتانيا بغرض اختراق البيئة الجغرافية للمنطقة”، في ظل انشغال القوى الغربية بالصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا.
وخلص التقرير عينه إلى أن “مستوى التنسيق بين المغرب وموريتانيا سيتأثر بهذه التطورات، نظرا لأهمية نواكشوط في معادلة النزاع حول الصحراء”، وبالتالي فإن المملكة المغربية “ستحاول مجابهة هذا التقارب بتقارب مضاد مع الجانب الموريتاني لمنعه من الانخراط في محور إقليمي مع الجزائر وإيران وروسيا”.
#تقرير #يرصد #تعويل #النظام #الإيراني #على #الجزائر #وموريتانيا #للتوغل #في #شمال #إفريقيا