لقد تحدث علماء الاجتماع والفلاسفة منذ القدم عن أهمية اللغة في تأسيس هوية الفرد، إذ تعتبرُ أساسا من أسس كينونته الوجودية، ولا تستقيم حياة الفردِ دون لغة، فهي مرآته نحو العالم، وهي وسيلته للتواصل واكتساب المعارف، وبناء العلاقات، وتشبع الثقافة الأم.
ومن الضرورِيّ أنْ يقتنعَ الآباءُ والأمهاتُ الذينَ يقطنونَ فِي دولِ المهجرِ بأن اللّغة العربيّة كنزٌ ثمينٌ لا يقدرُ بثمنٍ وأن لهَا قيمةً كبيرةً وموقعا خاصا بينَ لغاتِ العالمِ وأنَ تعليمَ هذهِ اللّغة لأبنائهم كما ورد عند الفقهاء فرضُ عين وأنَّ التَّوسعَ فِي علومهَا فرضُ كفاية، ولعل هذا يبرزُ تفطن الفقهاء المبكر لأهمية اللغة عند الفرد المسلم، فبها يؤسس لسلوكاته الدينية اليومية كقراءة القرآن والصلاة وغيرها من العبادات…
والمتأمل لحال العرب المهاجرين في الدول الأجنبية يلحظُ أنَّ هناك خطرا كبيرا يهدد الأمن اللغوي لأطفالهم، إذ ينشأ ناشئ الأطفال عندهم على واقع لغوي مختلفٍ عما يجب أن يكون، فانغماس الآباء في الثقافات الغربية على تعدد روافدها وديانتها جعلهم يتساهلون مع ثقافاتهم الأصلية. لذا فإنَّ الآباء يحملون مسؤولية كبيرة في تعليم أبنائهم العربية والثقافةَ العربيةَ، حتى يتشبعوا بها ويقتنعوا بأهميتها.
والعربية هي السبيل لتلاوة القرآن الكريم وفهمه وتدبره وحفظه، وهذا الجانب مهم للجاليات العربية المقيمة في الخارج، تأسيسا لأمنها الروحي، وحفاظا على هويتها الدينية، خاصة مع الضغط الثقافي الغربي الذي تعاني معه الجاليات العربية في أوروبا وأمريكا، إذ عصفت رياح الثقافة الغربية بكثير من أبناء المهجر، وذلك لما تعتمد عليه من جوانب فنية وتكنولوجية وتقنية.
توجيهات لا بد منها.
وإنَّ وجود الاستقرار والأمن الروحي لأبناء المهجر يتطلب رعاية اللغة العربية وصيانتها على ألسن الأطفال، فهم الجيل الجديد، الحامل للعروبة في الغرب، ويجب أن يكونوا قدر المسؤولية كمن سبقهم من الآباء والأجداد. لذلك نقدم بعض التوجيهات التي تساعد أبناء المهجر على تدريس اللغة العربية لأبنائهم، ومن ذلك:
أولا: لا بد من حضور اللغة العربية في المنزل، وتوظيفها في كل السياقات التواصلية داخل الأسرة، للتعبير عن الحاجيات والمشاعر والأحاسيس… وفي ذلك تقريب للغة العربية إلى الأطفال لكي تكون عندهم أداة تواصلية فيتقنوها ويبرعوا في استخدامها، ولعل العاميات العربية أيضا تحمل باعا واسعا من اللغة العربية في مفرداتها وألفاظها ودلالاتها.
ثانيا: استثمار البرامج الفنية العربية بأشكالها المختلفة، وتوظيفها لاكتساب اللغة العربية والتواصل بها، ومن ذلك أفلام الكارتون والبرامج الوثائقية والدينية والعلمية، وترصد الوفود العربية على هذه البلدان، سواء للتنشيط الثقافي والمسرحي، أو العلمي والأكاديمي في الجامعات التي أصبحت تخصص جانبا من الاحترام للغة العربيَّة، وهذه البرامج من شأنها إغناء الرصيد اللغوي لأطفالنا العرب في المهجر.
ثالثا: الحرص الشديد على تسجيل الأبناء في المؤسسات التي تعنى بتدريس اللغة العربية، سواء كانت عن قربٍ، إذا توفرت في مكان إقامتهم، أو عن بعدٍ في حالة انعدام مدراس تعليمية خاصة باللغة العربية، ولعل الساحة الإلكترونية مليئةٌ بدروس تعليم اللغة العربية سواء للناطقين بها أو بغيرها، كما أنَّ كثرةَ زيارة المساجد مما يوطد علاقات الأطفال خصوصا باللغة العربية وبالأصدقاء العرب.
وفي الأخير لا بد من التأكيد على أن العربية ركن أساسي في غرس الثقافة العربية والإسلامية لدى الطفل العربي المقيم في بلاد المهجر، خصوصا مع ما تعرفه بلدان المهجر من ثقافات هدامة للقيم والأخلاق والتدين.
#حاجة #أبناء #المهجر #إلى #اللغة #العربية